السبت، ١٣ أكتوبر ٢٠١٢

«الأم ماجى»




سؤال يراودنى كثيرا، وهو كيف نمتلك فى مصر الكثير من الأمثلة الإنسانية العظيمة، ومع ذلك لا نحاول أن نبرزها أو نضعها فى إطارها الصحيح، من كان منا يتصور أن هناك سيدة مصرية عظيمة يطلق عليها «الأم ماجى» مرشحة لجائزة نوبل منذ سنوات. والذى لا أفهمه لماذا تلك المرة فقط تم الكشف عنها فى وسائل الإعلام المصرية؟ وكيف يمكن لنا أن نتفهم أن تكون تلك السيدة العظيمة بيننا منذ فترة طويلة بأعمالها الخيرية لصالح الفقراء فى الأحياء الشعبية، ومع ذلك لا نعرف شيئا عنها من خلال وسائل الإعلام المصرية المليئة بالأخبار التافهة، وأيضا الفضائيات المصرية التى تمطرنا ليلا نهارا بأشخاص يتخيلون أنهم وحدهم يحملون صك الحقيقة يثرثرون كثيرا، ويعيدون ما يقولونه أكثر، ومع ذلك لم تهتم إحدى هذه الفضائيات مرة واحدة بتجربة مصرية عظيمة لاسم الأم ماجى التى تعمل منذ سنوات طويلة لخدمة الأحياء الشعبية والأطفال والفقراء، وتركت وظيفتها كمدرسة لعلوم الكمبيوتر بالجامعة الأمريكية لصالح عملها الخيرى الذى اهتمت به منذ صغرها، وتؤكد المعلومات أن تلك السيدة العظيمة تخدم أكثر من 200 ألف أسرة فى الأحياء الفقيرة ولا تفرق فى خدماتها بين مسلم ومسيحى، وتقدم أيضا تلك الخدمات للمدارس بالمناطق العشوائية بمنشية ناصر وتعمل على تحسين ظروف الفقراء لذلك أطلق عليها هؤلاء الفقراء اسم الأم ماجى أو الأم تريزة المصرية؟!
ومن الغريب والطريف أن يكون ترشيح الأم ماجى المصرية لجائزة نوبل عن طريق نواب الكونجرس الأمريكى وشخصيات عامة بالنرويج، وهنا نتساءل كيف عرف أعضاء الكونجرس والمنظمات الدولية أن تلك السيدة المصرية العظيمة تقدم تلك الخدمات الجليلة إلى أطفال مصر منذ أكثر من 25 عاما؟
خمسة وعشرون عاما وهى تقدم خدماتها دون أى ضوء إعلامى، ونحن نعلم أن هناك المئات من الشخصيات فى مصر تستثمر أى عمل أقل بكثير مما تقدمه تلك السيدة لتلمع نفسها وتجعل الكل ينظر إليها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومع ذلك فإن تلك السيدة أرادت أن تقدم إلينا نموذجا محترما بأن تنشئ منظمة خيرية منذ عام 1985 تهتم بأطفال الأحياء الفقيرة، وساعدت إلى الآن 250 ألف أسرة فقيرة ويعمل بتلك المؤسسة أكثر من 1500 مصرى كمتطوع، وأنا شخصيا أكتب كلمتى هذه ولم تعلن إلى الآن نتيجة جائزة نوبل للسلام، وسواء فازت تلك السيدة أو لم تفز لا بد أن نحملها على الأعناق ونفتخر بها، إن تلك السيدة العظيمة عندما تصل إلى الأحياء الفقيرة بشوارعها الضيقة وأكوام الزبالة الكبيرة تعم الفرحة فى تلك الشوارع، وتتعالى أصوات الأطفال مهللة هنا وهناك وهى توزع الحلوى عليهم وتبتسم ابتسامتها المعروفة، مصافحة كل الوجوه بملابسها البيضاء البسيطة، وتأخذ كثيرا من الأطفال إلى الحضانة وتغسل أرجلهم مثل ما كان يفعل المسيح، وأيضا تلبسهم (صنادل وشباشب) تفعل كل ذلك وهى سعيدة أنها تفعله حريصة على غسل أقدام هؤلاء الأطفال، مثلما فعل السيد المسيح لتقدم قيمة محترمة لهم نبحث عنها كثيرا فى مجتمعنا المصرى وهى قيمة النظافة.
إن تلك السيدة العظيمة التى كان يعمل والدها جبران جورجى طبيبا بشريا متزوجة من المهندس المصرى إبراهيم أبو سيف، ولديها ولد وبنت، الولد مهندس والبنت متزوجة ولديها أطفال، وأنا لا أعرف بالضبط ما شعور تلك الأسرة العظيمة التى تنتمى إليها تلك السيدة الأعظم، أكيد أنهم مسرورون وفرحون وفخورون بما تقدمه تلك السيدة العظيمة، ومن الأشياء الغريبة والطريفة التى قرأنا عنها أن تلك السيدة جاءت لزيارة حى الزبالين منذ أكثر من 27 عاما ولم تصدق حالة الفقر التى يعيش فيها أهالى وأطفال تلك المنطقة، فتفرغت منذ تلك اللحظة لمساعدة الفقراء وتقديم المعونة لهم، محاولة أن ترسم البسمة على وجوههم.
إن ما تقدمه تلك السيدة من خلال جمعياتها وشبابها المتطوع عن كيفية احتواء الأطفال فى مراحل العمر الأولى تؤكد أنها تحمل قيما سامية نتمنى أن تكون عدوى تنتشر فى الشعب المصرى، وأنا أرى أن خبر ترشيح تلك السيدة ماجى جبران لجائزة نوبل للسلام نقطة فاصلة يجب أن نقف أمامها كثيرا، لنرجع مرة أخرى إلى قيم ثورة يناير تلك الثورة التى وقف من خلالها زعيم أكبر دولة فى العالم ليقول لشعبه إن المصريين ما زالوا يعلموننا التاريخ، نعم تلك حقيقة أبرزتها الثورة وتبرزها اليوم بلا جدال تلك السيدة المصرية ماجى جبران والمرشحة للفوز بجائزة نوبل للسلام. ونحن نؤكد أنها فازت بأعظم وأكبر وأفضل من الجائزة، إنها فازت بقيم الحب والسلام ورضا الله عليها، ونحن نصدقها كل الصدق وهى تؤكد أنها لا تنشغل بفكرة الفوز بجائزة نوبل، وأن ابتسامة طفل فقير يعيش فى حى فقير أفضل لديها من أى جائزة.
نصدقها لأنها تمتلك كثيرا من القيم المحترمة التى عبرت عنها من خلال مشوار حياتها، مما جعلنا لا بد أن نصدقها وإذا لم نصدق تلك السيدة العظيمة فمن نصدق. نتمنى أن يعى المصريون فى تلك الأيام الفارقة من حياتهم أن مثال تلك السيدة لا بد أن يفتخر بها كل مصرى ومصرية سواء كان مسيحيا أو مسلما، فبالتأكيد تلك السيدة جمعت قلوبنا بالفخر بها، ولا بد أن نتقدم بالاعتذار إليها عن عدم معرفتنا بما قدمته عبر 25 عاما إلى أهالينا فى الأحياء الفقيرة فى مصر.. إحنا آسفين.
سليمان القلشي 

ليست هناك تعليقات: